قرية الحضن، نجران
اكتشف سحر "الحضن".. جوهرة نجران المخفية التي تروي قصة الماضي وتزخر بالجمال
كتب بواسطة: محمد الخوري |

في مشهد بانورامي مذهل يجمع بين صفحات التاريخ وسحر الطبيعة، تستقر قرية "الحضن" النجرانية كلوحة فنية متكاملة تروي قصة الحضارة السعودية العريقة. تقع هذه القرية الساحرة جنوب غربي مدينة نجران محاطة بحصن طبيعي من الجبال والوديان؛ إذ يحدها شمالاً وادي نجران الشهير، وتطوقها جنوباً سلسلة جبال "نهوقة" الشامخة، بينما تحتضنها من الغرب جبال رعوم وأبو همدان، ومن الشرق قرية "الجربة" التاريخية. وسط هذا الإطار الطبيعي الخلاب، تمتد بساتين النخيل والمزارع الخضراء لتشكل نموذجاً أصيلاً للحياة الريفية السعودية بكل تفاصيلها الهادئة والعميقة.

 

تفاصيل التناغم البصري والإرث التاريخي

 

لوحة طبيعية مزخرفة بالتاريخ

 

تتميز قرية "الحضن" بمشهد بصري استثنائي يجمع بين عناصر متناغمة من الطبيعة والتاريخ في نسيج متكامل. من الغرب، تطل عليها القلعة الأثرية في جبل رعوم وقمة جبل أبو همدان الشامخة، كحراس صامتين يشهدون على عراقة المكان. ومن الشمال، يشرف قصر "العان" التاريخي من أعلى جبل "سعدان" ليضيف طبقة أخرى من العمق التاريخي للمشهد. هذا التناغم بين التضاريس الطبيعية والمعالم التاريخية يخلق مشهداً بانورامياً نادراً يستقطب الزوار من مختلف أنحاء المملكة.

هل تساءلت يوماً كيف يبدو المشهد عندما تمتزج القرى الطينية العتيقة بخضرة المزارع وشموخ الجبال في تناسق بصري مذهل؟ هذا ما يميز تجربة زيارة "الحضن" التي تقدم حكاية بصرية متكاملة تجمع بين مختلف العناصر الطبيعية والتاريخية في مشهد واحد.

 

الحياة اليومية وموروث الأجيال

 

كشف عبدالله عدلان، أحد سكان القرية والمهتم بالزراعة والسياحة الريفية، عن طبيعة الحياة اليومية في "الحضن" التي تتسم بالبساطة والترابط الاجتماعي العميق. يعتمد السكان بشكل أساسي على الزراعة وتربية المواشي كركائز اقتصادية موروثة عبر الأجيال، ويتميزون بحرصهم الشديد على المشاركة في المناسبات الاجتماعية التي تعزز التلاحم المجتمعي.

ما يميز سكان "الحضن" هو وعيهم العميق بأهمية الحفاظ على الإرث العمراني؛ فهم يبذلون جهوداً حثيثة لترميم المباني الطينية التاريخية التي يعود بعضها إلى مئات السنين، في سعي حثيث للحفاظ على الهوية العمرانية الفريدة للمنطقة ونقلها للأجيال القادمة كإرث ثقافي يستحق التقدير.

 

الحضن: واحة زراعية وموقع استراتيجي

 

سلة غذائية متنوعة

 

تبرز "الحضن" كحاضنة زراعية متميزة تُثري الأسواق المحلية بتشكيلة واسعة من المحاصيل الزراعية عالية الجودة. وتشتهر القرية بإنتاج العنب والفراولة والتمور، فضلاً عن التين والليمون والبرتقال، إلى جانب مجموعة متنوعة من الخضروات والفواكه الموسمية. يعزو عدلان هذه الخصوبة الزراعية إلى تربة المنطقة المميزة ووفرة المياه العذبة، فضلاً عن خبرة السكان الزراعية المتوارثة عبر أجيال متعاقبة، والتي تناقلتها الأسر جيلاً بعد جيل.

 

موقع تاريخي ذو أبعاد وطنية

 

يشير إبراهيم آل منصور، رئيس جمعية السياحة بنجران، إلى أن تاريخ قرية "الحضن" يمتد لقرون طويلة، وتشهد على ذلك آثارها وهندستها المعمارية الطينية الفريدة. كانت القرية في الماضي محطة مهمة على طريق القوافل القادمة من اليمن، مما أكسبها أهمية تجارية واستراتيجية.

تكتسب المنطقة بُعداً وطنياً إضافياً باحتضانها لأول مقر إداري لإمارة نجران، والذي شُيد في قرية البديع عام 1353هـ. يقف هذا المبنى التاريخي شاهداً على فترة محورية من تاريخ المملكة، إذ يُجسد مرحلة كفاح الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- في توحيد أرجاء المملكة، وما تبعها من تطورات اجتماعية واقتصادية أسست للدولة السعودية الحديثة.

 

الحضن: وجهة سياحية واعدة

 

يؤكد آل منصور أن قرية "الحضن" تُعد من الوجهات السياحية البارزة في منطقة نجران، بفضل ما تمتلكه من مقومات طبيعية استثنائية ومشاهد بانورامية تطل على أهم المواقع الأثرية في المنطقة. ويرجع ذلك إلى موقعها الاستراتيجي الذي يجعلها نقطة التقاء بين الجبال والواحات الزراعية والأودية، مما يوفر تجربة سياحية متنوعة ومتكاملة.

ما يزيد من جاذبية التجربة السياحية في "الحضن" هو حفاوة الأهالي وكرم ضيافتهم الأصيل للزائرين، مما يمنح السياح فرصة فريدة للتعرف على نمط حياة الأجداد وتجربة الضيافة السعودية التقليدية في أبهى صورها، وسط أجواء من الأصالة والعراقة التي تنقل الزائر في رحلة زمنية عبر تاريخ المنطقة العريق.

 

تقف قرية "الحضن" اليوم كشاهد حي على التزاوج المتناغم بين الإرث التاريخي والطبيعة الخلابة في المملكة العربية السعودية. مما يتطلب استمرار جهود الحفاظ على هذا الكنز التراثي والتسويق له محلياً وعالمياً كوجهة تستحق الزيارة والاكتشاف.