الهند، باكستان،
بعد فشل الجهود الدولية.. المملكة تطلق مبادرة جديدة لاحتواء أخطر أزمة بين الهند وباكستان منذ 2019
كتب بواسطة: سعيد الصالح |

في مشهد دراماتيكي أعاد إحياء الصراع التاريخي بين قوتين نوويتين، استيقظ العالم على هجوم دامٍ استهدف منطقة باهالجام السياحية في الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه. الهجوم الذي وقع في 22 أبريل أودى بحياة 26 شخصًا، معظمهم من السياح الهنود، ليشعل فتيل أزمة إقليمية قد تتحول إلى مواجهة نووية تهدد أمن المنطقة بأكملها.

 

في خضم هذه التطورات المتسارعة، دخلت المملكة العربية السعودية على خط الأزمة، داعية الطرفين إلى ضبط النفس والالتزام بالحلول الدبلوماسية. فقد أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا اليوم الأربعاء 30 أبريل، دعت فيه الهند وباكستان إلى خفض التوتر وتجنب التصعيد، مؤكدة على ضرورة حل الخلافات بالطرق الدبلوماسية واحترام مبادئ حسن الجوار.

وشددت المملكة على أهمية العمل لتحقيق السلام والاستقرار لما فيه مصلحة شعبي البلدين وشعوب المنطقة، في موقف يعكس دورها المحوري في السعي لاستقرار المنطقة وتجنيبها مخاطر التصعيد.

 

هل تدرك حجم الضربة التي تلقتها الهند في 22 أبريل؟ في ذلك اليوم، نفذت جماعة تطلق على نفسها "مقاومة كشمير" هجومًا غير مسبوق على منطقة سياحية، مستهدفة زوارًا من مختلف أنحاء الهند. الهجوم الذي حمّلت نيودلهي مسؤوليته لإسلام آباد، دفع العلاقات بين البلدين إلى منحدر خطير، رغم النفي الباكستاني القاطع لأي صلة بالحادث.

لم تضيع الهند وقتًا في الرد، فسارعت إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات التصعيدية شملت تخفيض التمثيل الدبلوماسي في إسلام آباد، وتعليق اتفاقية تقاسم المياه المشتركة (معاهدة مياه السند)، وإلغاء جميع التأشيرات الممنوحة للمواطنين الباكستانيين، وخفض عدد الدبلوماسيين الباكستانيين في نيودلهي إلى 30 شخصًا فقط.

 

الرد الباكستاني جاء سريعًا ومماثلًا في حدته، حيث أعلنت إسلام آباد عن إلغاء تأشيرات دخول المواطنين الهنود، وتعليق جميع أشكال التبادل التجاري مع الهند، وإغلاق المجال الجوي الباكستاني أمام الطائرات الهندية.

مع ارتفاع حدة التصعيد الدبلوماسي، انتقلت الأزمة إلى المستوى العسكري الخطير. فقد أفادت مصادر باكستانية في 25 أبريل بوقوع تبادل كثيف لإطلاق النار على طول خط السيطرة بين شطري كشمير، تحديدًا في منطقة وادي ليبا.

 

وفي مؤشر على تزايد الاستعدادات الهندية لأي تطور محتمل، قام قائد الجيش الهندي الجنرال أوبيندرا دويفيدي بزيارة تفقدية للمنطقة الحدودية في كشمير، للوقوف على الترتيبات الأمنية بعد الهجوم، بينما أطلق رئيس الوزراء ناريندرا مودي تصريحات نارية متوعدًا بملاحقة منفذي الهجوم ومن وصفهم بـ"شركائهم" حتى "أقصى الأرض".

في خطوة مثيرة للجدل، لجأت السلطات الهندية إلى تطبيق سياسة "الهدم العقابي"، معلنة عن هدم منزلين في الشطر الهندي من كشمير يعودان لمشتبه بهما في الانتماء إلى جماعات مسلحة، أحدهما متهم بالمشاركة في تنفيذ الهجوم الأخير. هذه السياسة، التي تزامنت مع تعزيز أمني واسع النطاق في الإقليم، زادت من حدة التوتر وعمقت جراح الأزمة المستمرة منذ عقود.

 

يضيف التصعيد الحالي بُعدًا جديدًا للأزمة عبر تهديد معاهدة تقاسم مياه نهر السند الموقعة عام 1960 بوساطة من البنك الدولي. هذه المعاهدة التاريخية تنظم توزيع المياه بين البلدين، حيث تسيطر الهند على الأنهار الشرقية، بينما تسيطر باكستان على الغربية. وفي تطور خطير، حذّرت إسلام آباد من أن أي محاولة هندية للمساس بحقها المائي ستُعتبر "عملاً حربيًا"، مما يرفع سقف المواجهة المحتملة إلى مستويات غير مسبوقة.

التحرك السعودي يتزامن مع دعوة مماثلة من الأمم المتحدة، حيث أصدر المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية، ستيفان دوجاريك، بيانًا دعا فيه الطرفين إلى ضبط النفس وحل الخلافات بالحوار السلمي، مطالبًا بضرورة تجنّب أي خطوات قد تؤدي إلى تصعيد إضافي في المنطقة.

 

يستحضر التصعيد الراهن ذكريات المواجهات الدامية التي شهدتها العلاقات الهندية-الباكستانية على مدار أكثر من سبعة عقود، بدءًا من حروب 1947 و1965 و1971، مرورًا باشتباكات كارجيل عام 1999، وصولاً إلى الهجمات المنسوبة لجماعات مسلحة مثل هجوم مومباي عام 2008 وتفجير 2019 في كشمير.

والسؤال الذي يؤرق المراقبين: هل نحن على مشارف حرب رابعة بين البلدين؟ وما الذي يجعل هذه المرة مختلفة؟ الجواب يكمن في حقيقة مقلقة: امتلاك الطرفين لمئات الرؤوس النووية.

 

في ظل هذه التطورات المتسارعة، تبدو الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة محدودة، لكنها ممكنة من خلال تفعيل دور الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وإجراء تحقيق محايد وشفاف في هجوم باهالجام، بمشاركة خبراء دوليين، واستئناف الحوار المباشر بين البلدين لمناقشة القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية كشمير.

يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح الجهود الدبلوماسية، بما فيها المبادرة السعودية، في احتواء الأزمة قبل انزلاقها إلى مواجهة لا تُحمد عواقبها؟ العالم يترقب بقلق تطورات هذه الأزمة، التي تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة المجتمع الدولي على منع حرب نووية محتملة قد لا تقتصر تداعياتها على الهند وباكستان، بل تمتد لتشمل القارة الآسيوية بأكملها.