سعادة الشباب، اكتئاب
لماذا يعاني شباب اليوم من تراجع السعادة بينما ينعم كبار السن بحياة أفضل؟
كتب بواسطة: سماح الرائع |

كشفت دراسة عالمية واسعة النطاق عن واقع مقلق يهدد مستقبل المجتمعات - الشباب في العالم يعانون من تراجع حاد في مستويات السعادة والرفاهية بشكل غير مسبوق تاريخياً. هذه النتائج المثيرة للقلق تدق ناقوس الخطر حول جيل كامل يواجه تحديات نفسية واجتماعية استثنائية.

وثّقت "دراسة الازدهار العالمي" التي أجراها باحثون من جامعتي هارفارد وبايلور صورة قاتمة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً. الدراسة التي شملت أكثر من 200 ألف شخص من 20 دولة حول العالم رصدت ارتفاعاً مقلقاً في معدلات المشكلات النفسية والجسدية بين الشباب، وفقاً لما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".

"إنها صورة صارخة"، بهذه الكلمات وصف تايلر جيه. فاندروايل، الباحث الرئيس في الدراسة ومدير برنامج الازدهار البشري في هارفارد، النتائج التي توصلوا إليها، متسائلاً: "هل نستثمر بما فيه الكفاية في رفاهية الشباب؟"

 

أظهرت البيانات أن مستويات الرفاهية بين الشباب أقل من المتوسط بشكل عام، مع تسجيل ارتفاع خطير في معدلات القلق والاكتئاب. وكشفت الدراسة أيضاً عن انخفاض ملحوظ في المشاركة بالأنشطة الاجتماعية، وهو ما يزيد من تفاقم المشكلة.

تبرز الولايات المتحدة كنموذج مقلق للغاية في هذا السياق، حيث سجلت أكبر فجوة بين مستويات الازدهار لدى الشباب مقارنة بكبار السن. ويتوافق ذلك مع تقرير صدر عن كلية التعليم في جامعة هارفارد عام 2023، والذي أشار إلى أن الشباب الأمريكيين يعانون من ضعف في الصحة النفسية بصورة أسوأ حتى من المراهقين.

لكن الأنماط تختلف بين الدول، فبينما يزداد الوضع سوءاً مع تقدم العمر في بلدان مثل بولندا وتنزانيا، تحافظ دول أخرى كاليابان وكينيا على النمط التقليدي حيث تكون السعادة في ذروتها خلال مرحلتي الشباب والشيخوخة.

 

ويشير الخبراء إلى مجموعة من العوامل المتشابكة التي تساهم في هذه الظاهرة المقلقة. في طليعة هذه العوامل تأتي العزلة الاجتماعية، والاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية، والضغوط المتزايدة لتحقيق الكمالية في حياة منشورة باستمرار على منصات التواصل الاجتماعي.

وتؤكد لوري سانتوس، أستاذة علم النفس في جامعة ييل، على أهمية التواصل الاجتماعي قائلة: "الدراسة تلو الأخرى تظهر أن الاتصال الاجتماعي أمر حاسم للسعادة، والشباب يقضون وقتاً أقل مع أصدقائهم مما كانوا عليه قبل عقد من الزمان".

 

كما تضيف الدكتورة إميليانا آر. سيمون-توماس، مديرة العلوم في مركز العلوم للخير الأعظم بجامعة كاليفورنيا، بعداً آخر للمشكلة بقولها: "رفاهنا يعتمد على رفاهية كل إنسان آخر. نحن لا نستطيع أن نكون سعداء ونضع سياجاً حول أنفسنا".

تطرح هذه النتائج تساؤلات عميقة حول السياسات الاجتماعية والتعليمية والصحية في مختلف أنحاء العالم، وتدعو إلى إعادة النظر في كيفية دعم الشباب للتغلب على التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهونها. وفي وقت تتزايد فيه التحديات العالمية، من الأزمات الاقتصادية إلى التغير المناخي، أصبح الاستثمار في رفاهية الشباب ضرورة ملحة لضمان مستقبل أكثر استقراراً للمجتمعات كافة.