يرتفع جبل "أثرب" شامخاً في سماء محافظة بلجرشي بمنطقة الباحة، مشكلاً لوحة طبيعية فريدة بصخوره الجرانيتية البيضاء اللامعة وغطائه النباتي الكثيف. بارتفاع يصل إلى 2500 متر فوق سطح البحر، يقف هذا العملاق الجبلي شاهداً على حضارات عريقة وموطناً للنمر العربي المهدد بالانقراض.
ويكشف الدكتور أحمد بن قشاش الغامدي، الباحث المتخصص في علم الآثار، أن جبل "أثرب" يعتبر من أشهر وأعلى قمم سلسلة جبال السراة، ويتميز بموقعه الجغرافي الاستراتيجي جنوب محافظة بلجرشي. هذا الموقع المميز جعله محط أنظار الحضارات المتعاقبة عبر آلاف السنين، تاركة بصماتها على صخوره وفي مغاراته.
وماذا يجعل هذا الجبل مقصداً سياحياً فريداً؟ لعل أبرز ما يميزه هو ذلك التناغم النادر بين القيمة التاريخية والتنوع البيئي. فبين أشجار العرعر والزيتون البري التي تكسو سفوحه، تختبئ مغارات طبيعية تزينها رسوم صخرية ملونة تعود لعصور سحيقة، وعلى رأسها كهف قميشة الشهير.
فهذا المكان يحتضن معالم تاريخية بارزة مثل "الرويس" و"لوبة"، التي اشتهرت قديماً بزراعة أجود أنواع البن الصالبي الذي عرفت به جبال السراة. هل تتخيل طعم القهوة المصنوعة من بن زرع في أعالي هذه القمم الشاهقة؟
"وادي الخيطان" يشكل لوحة طبيعية أخرى تتدفق من سفوح الجبل، بمياهه الجارية التي تتعانق مع غابات كثيفة وأحجار بيضاء لامعة، ليصبح مشهداً يصعب نسيانه لكل زائر. هذا التنوع البيئي جعل من الجبل موئلاً رئيساً للنمر العربي المهدد بالانقراض، إلى جانب العديد من الأنواع النادرة من الحيوانات البرية.
كما يشدد الدكتور قشاش على ضرورة تضافر الجهود للحفاظ على هذا الكنز الطبيعي والتاريخي، مؤكداً أن المحافظة على جبل "أثرب" وبيئته الفريدة ليست مجرد مسؤولية بيئية، بل هي واجب ثقافي واجتماعي لضمان استمرار هذا الإرث الثمين للأجيال القادمة.
هل زرت جبل أثرب من قبل؟ وإن لم تفعل، فربما حان الوقت لاستكشاف هذه الجوهرة الطبيعية التي تجمع بين سحر الطبيعة وعبق التاريخ، ولتكن جزءاً من الجهود المبذولة للحفاظ على هذا الموروث الطبيعي والحضاري الفريد.