احتجاجات  تنديداً باعتقال داعمين للقضية الفلسطينية
الجامعات الأمريكية تشتعل احتجاجاً: اعتقال داعمي فلسطين يثير غضب الأوساط الأكاديمية
كتب بواسطة: احمد باشا |

شهدت العديد من الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية موجة جديدة من الاحتجاجات المنسقة تنديداً بحملة الاعتقالات التي طالت أكاديميين وطلاباً دعموا القضية الفلسطينية، حيث برزت جامعات كولومبيا وجورجتاون وتافتس كمراكز رئيسية لهذه التحركات الاحتجاجية التي تطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين الذين تم توقيفهم دون توجيه تهم واضحة، وتأتي هذه الاحتجاجات في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تقييد حرية التعبير الأكاديمي، خاصة فيما يتعلق بالموقف من الصراع في الشرق الأوسط، كما تعكس التحركات الأخيرة تنامياً في حركة التضامن مع فلسطين التي توسعت بشكل غير مسبوق داخل الحرم الجامعي الأمريكي منذ بدء الأحداث في غزة، وباتت تمثل تحدياً حقيقياً للإدارة الأمريكية الجديدة في تعاملها مع قضية حساسة تتقاطع فيها حرية التعبير مع السياسة الخارجية للبلاد.

وتركزت مطالب المحتجين على الإفراج عن ثلاث شخصيات أكاديمية بارزة، هم الباحث في جامعة جورجتاون بدار خان سوري الذي تم توقيفه في مارس/آذار الماضي ويقبع في مركز احتجاز بولاية تكساس في ظروف وصفت بالصعبة، والناشط الفلسطيني محمود خليل طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا الذي قاد احتجاجات العام الماضي المنددة بما وصفه بالإبادة الجماعية في غزة، والطالبة التركية رميساء أوزتورك التي تتابع دراستها لنيل الدكتوراة في جامعة تافتس، وقد أثارت قضية هؤلاء المعتقلين قلقاً عميقاً في الأوساط الأكاديمية الأمريكية، خاصة مع تصريحات الدكتور نادر هاشمي خبير سياسات الشرق الأوسط في جامعة جورجتاون الذي أكد أن المعتقلين تم توقيفهم دون توجيه أي تهم لهم، واصفاً ذلك بأنه "سياسة تهدف إلى إسكات حرية التعبير المؤيدة لفلسطين"، وهو ما اعتبره مراقبون تراجعاً خطيراً عن قيم الحرية الأكاديمية التي لطالما تفاخرت بها المؤسسات التعليمية الأمريكية.

وكشف الدكتور هاشمي عن تفاصيل مؤثرة حول ظروف احتجاز بدار خان سوري، مشيراً إلى أنه التقى به في مركز الاحتجاز بتكساس حيث يعاني من قيود شديدة، إذ لا يسمح له بالخروج إلى الهواء الطلق سوى لمدة ساعتين فقط أسبوعياً، ورغم هذه الظروف القاسية، أوضح هاشمي أن سوري يحاول داخل محبسه نشر أفكار وفلسفة المهاتما غاندي بين زملائه المحتجزين، معتبراً أن هذا الصمود والالتزام بنهج اللاعنف يسهم بشكل مهم في إيصال "حقيقة الإبادة الجماعية في غزة" إلى العالم، وقد أثارت هذه الشهادة موجة من التعاطف مع المعتقلين، خاصة بين أوساط حقوق الإنسان التي ترى في هذه الاعتقالات نمطاً مقلقاً من استهداف الناشطين والأكاديميين بناء على مواقفهم السياسية وليس على أفعال غير قانونية، مما يهدد بتقويض أسس الديمقراطية والحريات المدنية الأساسية في المجتمع الأمريكي.

ويعبر الدكتور إليوت كولا، الأستاذ المشارك في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة جورجتاون، عن مخاوف متزايدة من توسع دائرة الاستهداف لتشمل مزيداً من الأكاديميين والطلاب، حيث صرح خلال مشاركته في الاحتجاجات قائلاً: "إذا كانوا يستطيعون فعل هذا بأحد الأكاديميين، فيمكنهم فعل الشيء نفسه بنا جميعاً"، وأشار كولا إلى أن أجواء الخوف المتزايد في الحرم الجامعي أثارت قلقاً شديداً بين الطلاب والأكاديميين من المهاجرين الذين باتوا يخشون على مستقبلهم الأكاديمي ووضعهم القانوني في البلاد، خاصة مع الإجراءات المتشددة التي اتخذتها السلطات الأمريكية والتي شملت إلغاء تأشيرات والوضع القانوني لأكثر من ألف طالب ابتداء من مارس/آذار الماضي، وهو ما دفع العديد من الطلاب إلى رفع دعاوى قضائية ضد إدارة ترامب احتجاجاً على هذه الإجراءات التي يعتبرونها غير دستورية وتمييزية، بينما لم تصدر أوامر قضائية لإعادة الوضع القانوني إلا لعدد محدود من الطلاب المتضررين.

وفي مواجهة هذه الحملة غير المسبوقة، أعلن الطلاب والأكاديميون في جامعات جورجتاون وكولومبيا وتافتس عن استمرار احتجاجاتهم بشكل منتظم كل يوم اثنين حتى تحقيق مطالبهم المتمثلة في الإفراج عن زملائهم المعتقلين، وتشير الإحصائيات إلى أن موجة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، التي انطلقت شرارتها الأولى من جامعة كولومبيا، قد امتدت بشكل سريع لتشمل أكثر من 50 جامعة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ورافق ذلك حملة أمنية واسعة أسفرت عن احتجاز أكثر من 3100 شخص، معظمهم من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، مما يعكس حجم التوتر المتصاعد داخل الحرم الجامعي الأمريكي حول قضية باتت تفرض نفسها بقوة على الساحة السياسية والأكاديمية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول حدود حرية التعبير وتأثير السياسة الخارجية على المناخ الأكاديمي في الولايات المتحدة، في وقت تتزايد فيه الضغوط الداخلية والخارجية على صناع القرار الأمريكي للتعامل مع تداعيات الصراع في الشرق الأوسط بطريقة أكثر توازناً وعدالة.