أحمد العرفج
المقارنات تفسد ملذات الحياة
أحمد العرفج |

المقارناتُ -وفي رواية الموازنات- في الغالب تقتلُ لذَّة الاستمتاع بالأشياء الجديدة؛ لأنَّ الإنسان معتادٌ -دائمًا- على قياس ما لا يعرفه على ما يعرفه، فمثلًا إذا ذهب إلى مدينة لا يعرفها، قارن بينها وبين المدينة التي عاش فيها، وهذا القياس يجعل الإنسان يحرم نفسه من رُؤية زوايا أُخْرى يمكن أنْ يشاهدها، لو حاول التخلِّي عن الموازنات والمقارنات!

إنَّ لكل مدينة شخصيَّتها، والنَّاس -مثلًا- تُعجَبُ بخلاعة باريس، ونظام لندن، وفوضى القاهرة، ومن الحماقةِ مقارنة هذهِ المدن الثَّلاث ببعضها؛ لأنَّ النِّظام في لندن له ثمن، وهو غلاءُ المعيشة، والفوضَى في القاهرة لها ميزة، وهي رخصُ المعيشة، وهكذا!

وطالما نحنُ في سيرة المُدن، فدعونا نقرِّب الصُّورة وننقل المقارنة إلى ملعب النِّساء... وقد قالُوا في الأمثال: إنَّ المدنَ كالنِّساءِ!

ومن تشبيه المُدن بالنِّساء في عالم المقارنات والموازنات.. إليكم هذه القصَّة:

تقولُ الكتبُ إنَّ الشَّاعر الأخطل حين تُوفِّيت زوجته، تزوَّج من امرأةٍ أُخْرى.. وبعدَ الزَّواج منها، بدأ يقارن ويوازن بينها وبين زوجته الأُولَى، وهذه المقارنة جعلته يكتوِي بالنَّارِ، ويحرم نفسَهُ من لذَّةِ الاستمتاع بمزايَا الزَّوجة الجديدة، والمصيبة أنَّ زوجته «الجديدة» أرملة، وهي -أيضًا- كانت تقارن بينه وبين زوجها «الرَّاحل»، لذلك خلَّد الشَّاعر تلك المفارقة ببيتَيْن يقولُ فيهما:

كِلَانَا عَلَى هَمٍّ يَبِيُتُ كَأنَّمَا

بِجَنْبَيْهِ مِن مسِّ الفِرَاشَ قُرُوحُ

عَلَى زَوجِهَا المَاضِي تَنُوحُ وَإِنَّنِي

عَلَى زَوْجَتِي الأُخْرَى كَذَاكَ أَنُوحُ

لقد انتبه إلى هذه الموازنة، شاعرٌ عامِّيٌّ واقتنعَ بعدم الزَّواج بعد موت زوجته، حتَّى لا يقع في فخِّ المقارنات، ولكنَّه اضطرَّ للزَّواج حتَّى يوفِّر امرأةً تحمي وترعى أطفاله «بزورته»، وقد خلَّد الشَّاعر هذه القصَّة بأبياتٍ -تُنسب إمَّا للشَّاعر نمر بن عدوان، أو للشَّاعر محمد بن مسلَّم- تقول:

قَالُوا تَزَوَّجَ وانْسَ لَامَا بِلَامَا

تَرَا العَذَارَى عَن بَعْضِهم يُسلُّون

واللهِ لولَا هالبُزورِ اليَتَاما

وأخافُ عليهِم مِن السِّكة يضيعُون

لأقولُ كلّ البِيضِ عقبُه حَرَامَا

وأصبر كَمَا يصبرُ علَى الحَبسِ مسجُون!

حسنًا.. ماذا بقي؟

بقي القول: منذ بداية علاقتي بالثَّقافة والمعرفة، أدركتُ أنَّ المقارنات -في غالب الأحيان- تُفسد لذَّة الأشياء، وتحزمني من التمتع برُؤية الأشياء الجديدة والمميَّزة، لذلك أزورُ الرياض بنكهةِ الرياض الحافلة بالخزامى، والنفل، والصحارى، وخُضرة روضة خريم، والنهضة التنمويَّة الجبَّارة.. وأسكنُ في جُـدَّة وأستمتعُ بالبحر، ورُؤية النَّوارس، وأبحر، والمنطقة التاريخيَّة، ورُؤية نادي الاتحاد، وهكذَا هي جُدَّة تنوُّع وإتِّي وَبَحَر!