في خطوة غير مسبوقة تعيد تشكيل مفهوم الخصوصية في المراسلات الفورية، أطلق تطبيق "واتساب" ميزة الذكاء الاصطناعي المدمجة في خدمة الرسائل، مثيراً موجة من الانتقادات الحادة من المستخدمين والخبراء على حد سواء. الإشكالية الرئيسية لا تكمن في الميزة نفسها بل في إصرار التطبيق المملوك لشركة "ميتا" على فرضها دون إمكانية إزالتها من التطبيق، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول حدود التدخل التقني في الفضاءات الخاصة للمستخدمين.
حقيقة الميزة الجديدة: اختيارية أم إلزامية؟
تناقض في تصريحات واتساب
يصر "واتساب" على أن ميزة الذكاء الاصطناعي الجديدة "اختيارية تماماً"، لكن هذا التصريح يصطدم بحقيقة صادمة: لا يمكن للمستخدمين إزالتها من التطبيق. هذا التناقض أثار استياءً واسعاً بين المستخدمين الذين يرون أن الخيار الحقيقي يتضمن إمكانية إزالة الميزة بالكامل، لا مجرد تجاهلها.
كيف تعمل الميزة؟
يؤدي التفاعل مع ميزة الذكاء الاصطناعي إلى فتح روبوت دردشة مصمم للإجابة على استفسارات المستخدمين. تدّعي الشركة أن الروبوت يمكنه:
- الإجابة على الأسئلة المختلفة
- تقديم محتوى تعليمي للمستخدمين
- المساعدة في ابتكار أفكار جديدة
سابقة في عالم التكنولوجيا
تشبه هذه الإستراتيجية ما قامت به شركة مايكروسوفت مع ميزة "Recall" التي كانت مفعّلة بشكل دائم، قبل أن تضطر الشركة للتراجع تحت ضغط الانتقادات والسماح للمستخدمين بتعطيلها. يبرر واتساب نهجه بمقارنة الميزة الجديدة بخيارات أخرى دائمة في التطبيق مثل "القنوات" و"الحالة"، متجاهلاً الفرق الجوهري في طبيعة وتأثير كل منها.
محدودية الانتشار واستراتيجية الطرح
أشارت شركة "ميتا" إلى أن الميزة متاحة حالياً في دول محددة فقط، مع إمكانية عدم توفرها لجميع المستخدمين حتى في البلد الواحد. هذه الاستراتيجية في الطرح تعكس نهجاً تجريبياً يثير تساؤلات حول استخدام المستخدمين كـ"فئران تجارب" للذكاء الاصطناعي، وفقاً لما يراه النقاد.
الميزة ليست حكراً على واتساب، بل تتوفر أيضاً على تطبيقات أخرى مملوكة لشركة ميتا، بما في ذلك:
- فيسبوك ماسنجر
- إنستغرام
مما يشير إلى استراتيجية شاملة لدمج الذكاء الاصطناعي في جميع منصات التواصل الاجتماعي التابعة للشركة.
المخاوف الأمنية والخصوصية
تأكيدات الشركة حول الخصوصية
عند الاستخدام الأول للميزة، يظهر تنبيه يؤكد أن روبوت الدردشة "لا يمكنه قراءة سوى الرسائل التي يتشاركها المستخدمون معه مباشرة". وتشدد الشركة على أن "ميتا لا تستطيع قراءة أي رسائل أخرى في المحادثات الشخصية، لأنها تظل مشفرة من البداية إلى النهاية".
تحذيرات الخبراء
رغم تطمينات الشركة، يحذر الخبراء من أن التفاعل مع ميزة "ميتا للذكاء الاصطناعي" يعني مشاركة المعلومات مع شركة ميتا نفسها، وليس مع صديق. النصيحة الأساسية هي:
- عدم مشاركة معلومات شخصية حساسة
- تجنب الحديث عن مواضيع خاصة تتعلق بالآخرين
- الحذر من المحتوى الذي لا ترغب في أن يحتفظ به الذكاء الاصطناعي ويستخدمه
ردود الفعل والانتقادات
موقف الخبراء
انتقد العديد من خبراء التكنولوجيا والخصوصية هذه الميزة بشدة، متهمين "واتساب" بـ:
- استغلال وضعه المهيمن في سوق المراسلات
- استخدام المستخدمين كعينات اختبار للذكاء الاصطناعي دون موافقة صريحة
- فرض تقنيات جديدة قد تؤثر على خصوصية المستخدمين
الرسالة المركزية من المنتقدين واضحة: "لا ينبغي إجبار أحد على استخدام الذكاء الاصطناعي"، خاصة في تطبيق يعتمد عليه مليارات البشر في تواصلهم اليومي الخاص.
يمثل إطلاق ميزة الذكاء الاصطناعي الإلزامية في واتساب منعطفاً مهماً في تطور العلاقة بين المستخدمين والتطبيقات التقنية..