لأول مرة منذ سنوات، نرى ما كان يُعدّ من المسلّمات في الأسواق يتحطم أمام أعيننا: الدولار الأمريكي ينهار بينما عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات ترتفع بقوة.
في الظروف الطبيعية، يتحرك الاثنان معًا.
ارتفاع العوائد = تدفق رؤوس الأموال إلى الدولار بحثًا عن عائد أعلى.
لكن ما نراه اليوم هو العكس تمامًا: عوائد ترتفع + دولار ينهار = الأسواق تشتم رائحة الخطر.
ما السبب؟
“يوم التحرير” الذي تشير إليه بعض التقارير، هو إعلان ترامب عن جولة جديدة من التعريفات والحصار التجاري ضد الصين. ولكن الحدث الاقتصادي الأعمق هو فقدان الثقة بهيكلية الدين الأمريكي و”قدسية” سندات الخزانة.
وهنا تأتي “لحظة جيمس كارفيل”…
كارفيل، مستشار بيل كلينتون، قال ساخرًا في التسعينات: “كنت أعتقد أني أرغب في أن أُعاد تجسيدي على هيئة رئيس أو بابا الفاتيكان… لكن الآن أدركت أنني أريد أن أعود إلى الحياة كسوق السندات، لأن السوق يخيف الجميع.”
اليوم، لم يعد السوق يخيف أحدًا… بل بدأ هو نفسه يرتجف.
عوائد ترتفع لأن المستثمرين بدأوا يطلبون علاوة خطر على شراء ديون الولايات المتحدة.
الخطر لم يعد من الصين أو روسيا… بل من الداخل الأمريكي نفسه:
عجز مالي انفجر، طبقة سياسية بلا كوابح، حرب تجارية تقلب سلاسل التوريد، وتضخم سياسي في اتخاذ القرار قد يؤدي إلى لحظة فقدان ثقة عالمية في الدولار ذاته.
باختصار، انفصال الدولار عن العوائد ليس مجرد ظاهرة فنية، بل هو تحول في بنية السرد العالمي الذي حكم الأسواق منذ بريتون وودز.
وإذا استمر هذا الانفصال، فإن السوق ستبدأ بتسعير نهاية الامتياز النقدي الأمريكي كما نعرفه.
نحن لا نعيش أزمة…
بل نشهد ميلاد نظام مالي عالمي جديد، من رحم التشظي الأمريكي.