ترامب يرفع العقوبات عن سوريا
ترامب يعلن رفع العقوبات عن سوريا ويضمن استثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار
كتب بواسطة: مختار العسلي |

في خطوة وصفت بأنها تحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء من العاصمة السعودية الرياض عزمه رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا منذ سنوات طويلة، مما يمثل انعطافة تاريخية في العلاقات الأمريكية السورية. وأعلن ترامب في الوقت ذاته حصوله على تعهدات سعودية باستثمارات ضخمة تصل قيمتها إلى نحو 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي يعكس عمق العلاقات الاستراتيجية المتجددة بين واشنطن والرياض في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.

وكشف مسؤول أمريكي أن ترامب سيعقد اليوم الأربعاء لقاءً مع الرئيس السوري أحمد الشرع على هامش زيارته للمملكة، وهو ما يمثل تطوراً لافتاً يؤشر إلى تحول جوهري في العلاقات الدبلوماسية بالمنطقة. وعندما سأله الصحفيون عن دوافع هذه الخطوة، رد ترامب مازحاً وهو يخاطب ولي العهد السعودي: "ما أفعله من أجلك أيها الأمير"، في إشارة تعكس مدى التزام الإدارة الأمريكية الجديدة بتعزيز التحالف الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية التي تلعب دوراً محورياً في إعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة.

وأوضح ترامب أن قرار رفع العقوبات جاء استجابة لطلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مشيراً إلى أن هذه العقوبات رغم أنها شكلت أداة ضغط مهمة ضد نظام الأسد في السابق، إلا أنها أصبحت عائقاً أمام جهود إعادة إعمار سوريا في الوقت الراهن. وقد رحب وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة أسعد الشيباني بهذه المبادرة، واصفاً إياها بأنها "بداية جديدة" لعملية إعادة الإعمار، وهو ما يشير إلى وجود توافق نسبي بين الأطراف المعنية حول ضرورة تغيير المقاربة السياسية والاقتصادية تجاه سوريا. يذكر أن الولايات المتحدة كانت قد صنفت سوريا عام 1979 دولة راعية للإرهاب، وفرضت عليها عقوبات إضافية عام 2004، ثم شددتها بعد اندلاع النزاع عام 2011، غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى تغير في أولويات واشنطن التي تسعى الآن إلى تطبيع العلاقات مع دمشق في إطار استراتيجية أوسع تهدف لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

ويعد الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع شخصية مثيرة للجدل، حيث كان قائداً سابقاً لميليشيا إسلامية مسلحة قبل أن يتصدر المشهد السياسي إثر الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر الماضي. وتشير التقديرات إلى أن المملكة العربية السعودية لعبت دوراً محورياً في تقريب المسافات بينه وبين واشنطن، إذ قامت بإقناع الإدارة الأمريكية باعتباره شريكاً جدياً في العملية السياسية، ويذكر أن الشرع كان قد زار الرياض في فبراير الماضي في أول جولة خارجية له بعد انهيار نظام الأسد، مما يؤكد تحسن العلاقات بين الطرفين وجهودهما المشتركة لرسم مستقبل سياسي جديد لسوريا. ومن المتوقع أن يثير هذا التقارب ردود فعل متباينة بين من يرى فيه تعزيزاً لنفوذ واشنطن في المنطقة، وبين من يعتبره تراجعاً عن مبادئ ديمقراطية مقابل مكاسب اقتصادية، لكن يبدو أن الاعتبارات الجيوسياسية تطغى حالياً على الاعتبارات الأيديولوجية في صياغة السياسة الأمريكية الجديدة.

ويرتقب أن يناقش اللقاء المرتقب بين ترامب والشرع سبل إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي ضمن رؤية أمريكية جديدة قائمة على الواقعية السياسية، ومع ذلك أكدت مصادر أمريكية أن رفع العقوبات سيكون مشروطاً بحصول واشنطن على ضمانات محددة تشمل قطع أية صلات مع التنظيمات الإرهابية، ونزع سلاح الميليشيات الأجنبية، وضمان حماية الأقليات والحريات الأساسية، وهي شروط تؤكد أن القرار الأمريكي ما زال مرتبطاً بتحقيق إصلاحات جوهرية في البنية السياسية والأمنية السورية. وأضاف محللون أن من بين القضايا المطروحة أيضاً إمكانية إنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا لتخفيف التوتر مع إسرائيل، في خطوة قد تمهد الطريق أمام تعاون إقليمي غير مباشر بين دمشق وتل أبيب برعاية أمريكية.

 

ولا تقتصر تداعيات هذا القرار على سوريا وحدها، بل يرى مراقبون أنه يمثل نقطة تحول فارقة في تاريخ السياسة الأمريكية، حيث سيعيد تشكيل التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط ويتيح أول لقاء على مستوى الرؤساء بين مسؤولين أمريكيين وسوريين منذ عام 2000، مما يشكل انقلاباً جذرياً على السياسات السابقة التي كانت تستهدف عزل سوريا دولياً. ويتوقع المؤيدون لهذا التوجه الجديد أن يفتح آفاقاً واسعة أمام تحالفات إقليمية تركز على مشاريع إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية، خاصة وأن العقوبات الأمريكية كانت تشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد السوري لسنوات طويلة، مما يدعم حجة المسؤولين السوريين للإسراع في جهود إعادة الإعمار فور رفعها.

ويترقب المحللون بشغف نتائج جولة ترامب الخليجية، إذ يرون في رفع العقوبات فرصة واعدة لتعزيز الاستثمارات في سوريا بعد سنوات من العزلة الاقتصادية، لكن في المقابل يحذر آخرون من أن أي إخفاق في تلبية الشروط الأمريكية قد يؤدي إلى انتكاسات سياسية وأمنية خطيرة، ويبقى السؤال المطروح بقوة: هل ستشكل هذه الخطوة التاريخية بداية لعهد جديد في العلاقات السورية-الأمريكية، أم أنها مجرد مناورة مؤقتة تستهدف إعادة ترتيب الموازين الإقليمية؟