في شهادة تعكس فخر المنجزات الطبية السعودية ومتانة استراتيجياتها المستقبلية، أكد استشاري جراحة وزراعة الرئة في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، الدكتور خالد القطان، أن ما حققته المملكة في مجال زراعة الأعضاء لم يكن صدفة، بل نتيجة لاستثمار طويل الأمد في بناء الإنسان وتأهيله علميًا ومهنيًا، من خلال برامج ابتعاث طموحة ودعم مستمر للمؤسسات التعليمية الطبية.
وخلال مداخلة له على قناة "روتانا خليجية"، أشار الدكتور القطان إلى أن المملكة، بفضل رؤيتها التنموية والاستثمار في رأس المال البشري، استطاعت أن تتموضع كلاعب أساسي على خارطة زراعة الأعضاء العالمية، مضيفًا أن ابتعاث الأطباء السعوديين إلى كبرى المراكز الطبية والبحثية في العالم ساهم في نقل الخبرات المتقدمة، وترسيخ ممارسات طبية ذات مستوى عالمي داخل المملكة.
وأوضح القطان أن من بين أبرز أسباب النجاح اللافت للسعودية في هذا القطاع، هو تأسيس كليات طب حكومية وخاصة بمستويات أكاديمية وعلمية عالية، تمكنت من تخريج أجيال من الأطباء السعوديين المؤهلين، القادرين على التعامل مع التخصصات الدقيقة مثل زراعة القلب والرئة والكلى والكبد، والتي تُعد من أعقد الجراحات في الطب الحديث.
وأكد أن هذه الكليات لا تكتفي بتقديم المنهج النظري، بل تعتمد على شراكات فعالة مع المستشفيات والمراكز الطبية الكبرى داخل المملكة وخارجها، مما يضمن تدريبًا عمليًا نوعيًا، يرفع من جاهزية الطبيب الخريج، ويعزز من كفاءته في ميدان العمل.
وفي سياق متصل، نوّه الدكتور القطان إلى أن البيئة التشريعية والتنظيمية في المملكة لعبت دورًا محوريًا في تمكين قطاع زراعة الأعضاء من التطور والازدهار، حيث أُنشئت مؤسسات وطنية متخصصة، مثل "المركز السعودي لزراعة الأعضاء"، تعمل على تنظيم قوائم الانتظار، ومتابعة الحالة الصحية للمتبرعين والمستفيدين، وتفعيل ثقافة التبرع بالأعضاء من خلال حملات توعوية مستمرة.
كما أشار إلى أن هذه التنظيمات ساعدت في تعزيز الثقة المجتمعية بالنظام الصحي، وساهمت في الحد من الممارسات غير النظامية، وهو ما جعل المملكة نموذجًا يحتذى به في المنطقة والعالم في ما يخص الشفافية والعدالة في توزيع الأعضاء.
ولم يغفل القطان الإشارة إلى الدعم الكبير الذي توليه القيادة السعودية للقطاع الصحي بشكل عام، ولبرامج زراعة الأعضاء بشكل خاص، من حيث التمويل، وتوفير أحدث الأجهزة الطبية، واستقطاب الكفاءات العالمية، مشيرًا إلى أن هذه الرعاية الشاملة وفرت مناخًا مثاليًا للتميز والتطور.
وأضاف أن وجود مستشفيات بمستوى عالمي مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي، ومركز الأمير سلطان لمعالجة وجراحة القلب، ومجمع الملك عبدالله الطبي، ساهم في تعزيز البنية التحتية لقطاع زراعة الأعضاء، وفتح آفاقًا جديدة للتوسع في الأبحاث والتجارب السريرية المعتمدة.
واختتم الدكتور خالد القطان حديثه بالإشارة إلى أن المملكة لا تسعى فقط لتحقيق الأرقام في عدد عمليات الزراعة، بل تطمح إلى الريادة العلمية والإنسانية، من خلال التركيز على جودة الحياة للمرضى، ونجاح العمليات على المدى الطويل، والمساهمة في تطوير بروتوكولات علاجية جديدة تُعتمد على المستوى العالمي.
وأكد أن رؤية السعودية 2030 وضعت الصحة والتعليم في صميم أولوياتها، وأن ما نشهده اليوم من نتائج مبهرة في زراعة الأعضاء ما هو إلا أحد تجليات هذا التوجه الإستراتيجي، داعيًا في الوقت ذاته إلى استمرار الاستثمار في العنصر البشري، وتوسيع فرص التخصص الدقيق، ودعم مراكز البحث العلمي في المجال الطبي.